مايكل دبيكي ، قصة نجاح عظيمة تشبه في ظروفها العائلية ظروف العرب المهاجرين في أيامنا هذه. قد تصلح قصته لتكون قدوة لأبنائنا يقتدون بها لنجنبهم قيما مشوهة , علها تحميهم من الرموز الاجتماعية التي يتم تسليط الضوء عليها حتى اعتقدنا أنها هي نماذج المجتمع الناجح الذي يجب أن نحذو حذوها, لنصبح فاعلين ومؤثرين.
تبدأ الحكاية في أواخر القرن التاسع عشر ,حيث كان تاريخ منطقة بلاد الشام أو سورية الكبرى حينها معقد جدا , وكلما قرأنا أكثر في تاريخ القرون الوسطى الحديثة كلما وجدنا فيها دروسا وعبر لمواقف تكرر نفسها, وقد تستطيع أن تستنتج النهاية بدون أن تكون منجما أو خبير بالسياسة او عالم اجتماع.
الهجرة من لبنان الى أميركا
هاجر والدا مايكل في أول القرن العشرين , تاركين لبنان بسبب قمع الإمبراطورية العثمانية للطائفة المارونية التي تنتمي عائلة الدبيكي (الدبغي) لها
استقرت عائلة الدبيكي في أكاديا, وهو الاسم الرسمي لمنطقة لويزيانا الفرنسية في أمريكا , وقد اختاروتها العائلة لانهم يتكلمون اللغة الفرنسية التي تنطق بها هذه المدينة الأميركية.
كان مايكل يتقن اللغة الفرنسية منذ صغره كما حال طائفة الموارنة في لبنان بسبب العلاقة التاريخية الوثيقة بفرنسا.
وتعود علاقات الطائفة المارونية بفرنسا لقرون , ففي عام 1649 أصدر لويس الرابع عشر مرسوماً بموافقة السلطان العثماني , يقضي بوضع الطائفة المارونية تحت حماية فرنسا.
ضمنت هذه الحماية للموارنة حق التقاضي أمام محاكم خاصة، والاستفادة من التعليم في المدارس، والبعثات القنصلية الأوروبية، والإعفاء من الضرائب، وسهولة السفر إلى أوروبا.
وهذا ما يفسر اتقان هذه الطائفة للغة الفرنسية .
الخياطة و الجراحة و عبقرية الدبيكي
الدكتور دبيكي له الكثير من الأبحاث و الإنجازات في الطب و البحوث و العلوم لكني انقل ما جذبني في مسيرته.
عندما كان مايكل طفلا , حظي بما يسمى بالحب الصارم , من أب مكافح في مجاله و ناجح بعمله و الأم الملكة في بيتها تلقن أطفالها ما تعلمته من فنون الخياطة و الحياكة و العزف . فقد أخاط ابنها مايكل أول قميص له في عامه العاشر.
كان مايكل قارئ نهم للموسوعات العلمية و يتقن اللغات الفرنسية و الألمانية و الإنكليزية .حثه أبوه على زراعة الخضروات في حديقة منزله ليشارك بإنتاجه و يفوز بأحد مهرجانات المزروعات في مدينته.
بدأت إنجازاته في السنة الأخيرة في كلية الطب في جامعة تولين عن عمر يناهز 23، تبنى مايكل المضخات العتيقة والأنابيب المطاطية وطور نسخة من المضخة التمعجية الدوارة , التي تستخدم في عمليات القلب .
تم استخدام تلك المضخات بعد ذلك لنقل الدم مباشرة وبصورة مستمرة من شخص لآخر ، وحينها لم تكن بنوك للدم قد أُحدثت بعد ، وتطورت هذه المضخة فيما بعد الى مايسمى جهاز القلب-الرئة المستخدم في عمليات القلب المفتوح.
في الخمسينيات من القرن الماضي كانت أهم اكتشافات الدكتور مايكل. حيث أنه طبيب جراح للأوعية الدموية و الشرايين ، قام بمراقبة وتصنيف تصلب الشرايين بحسب الاوعية الدموية . وخلصت دراساته إلى إيجاد عدة أبحاث ساهمت في علاج أمراض الأوعية الدموية.
كان يسعى لإيجاد مادة يقوم من خلالها بتطعيم الشريان أو بمعنى أوضح ترقيع الشريان في مكان تمزقه , فاستخدم مواداً من النايلون قبل أن يستخدم مادة البولي إيثيلين تيريفثاليت المعروفة بالديكرون.
ساعدته مهارات مايكل في الخياطة التي تعلمها في صغره, بترقيع الشرايين بعناية , مستخدما آلة الخياطة الخاصة بزوجته ، و أوجد أول حلول اصلاح للشرايين المتضررة عن طريق تطعيمها بهذه المادة , و تعاون بعد ذلك مع زميل له من كلية فيلادلفيا للعلوم وأنشئ آلة حياكة خاصة لصنع الطعوم (الرقع)
أجرى مايكل أول عملية استئصال باطنة للشريان السباتي بنجاح في عام 1953. وبعد ذلك بعام ، كان رائدًا في تقنيات ترقيع الأجزاء المختلفة من الأبهر.
عاش الدكتور مايكل قرابة ال 99 عاما ,ولد عام 1908 وتوفي 2008 كانت حياته مليئة بالإنجازات الطبية التي خدمت الإنسانية و أنقذت الكثير من الأرواح.
لقد كرمته أميركا بكثير من الجوائز و الأوسمة و سمت شارعا كاملا باسمه و لقب في الكونغرس الأميركي بلقب الأسطورة الحية .
لاشك أن مسيرة حياة الدكتور دبيكي مثيرة للإعجاب و يوجد الكثير من المراجع عنه , لكن أحببت بهذا المقال الموجز تسليط الضوء عليه , فأنشط ذاكرة من يعرفوه, و أعرّف به من يجهل وجوده في هذا العالم.
و هذه الرموز هي ارث انساني يجي أن نقرأ لاطفالنا عنهم لكي يبنوا رموز صحية يقتدون بها .
المضخة التمعجية .
المصدر ويكوميديا