قبل أن ألد طفلي الأول لم أكن أفكر ملياً عند القيام بأي مغامرة، وملكت شجاعة عدم الاكتراث وحب المغامرة. لكن الأمور تغيرت كثيرا بعد أن أنجبت طفلي الأول منذ أحد عشر عاما. زاد حذري وخوفي دون أن أدرك أني أصبحت أخشى معظم التفاصيل الحياتية.
لا أعرف سببا طبيا نفسيا لهذا الخوف لكن أرجعه الى عدم الشعور بالأمان وخصوصا مع التغيرات التي أصابتنا كسوريين في العقد الأخير. لم نعد نشعر أننا نقف على أرض صلبة، بل كلها أصبحت رمال متحركة لا تعرف متى تبتلعك أم ستنجو منها. وفي أحسن الحالات إن حلقت عاليا فوق تلك الرمال، أنهكك البحث عن مستقر لقدميك على أرض صلبة ولا تستطيع الوثوق بقوة جناحيك أن تحملك لفترات طويلة حتى تصل إلى وضع أمن.
أن تكون شخصا سريع التأقلم مع الظروف والتغيرات التي تحدث فهذه عطية وهبة، ومن يجيد هذا الفن هو الأكثر حظا وأقل توترا في هذه الأيام.
قصتي اليوم عن رحلة بين شنغهاي ومدينة داليان في الصين، بعد أن وصلنا إلى شنغهاي للعمل ومكثنا فيها بضعة أشهر، كان علينا أن ننتقل إلى مدينة داليان في شمال شرق الصين وهي تبعد 1100 كم عن شنغهاي.
لا أذكر متى أصبحت أخشى الطيران في السنوات الأخيرة ولا أعرف تفسيرا، غير أن عقلي لا يستطيع التحليل ميكانيكيا وفيزيائيا كيف لجسم بحجم بناية أن يطير سالما.
فصرت حين أضطر السفر، أبحث كثيرا في شركات الطيران وموثوقيتها وسجلات الأمان الخاصة بها قبل أن نقوم بالحجز على أي خطوط جوية.
الحظ كان يحالفني في السفر الدولي فكل المعلومات أصبحت متوفرة على الانترنت بلغات أستطيع قراءتها، اما في آيار من عام 2017 وجدت نفسي في شنغهاي لا أستطيع البحث عن أي معلومة عن خطوط الطيران الصينية، فكل المعلومات باللغة الصينية التي لا أفقه بها شيئا وحتى إن ترجمتها فلا أستطيع تقييم مصداقيتها.
طلبت من زوجي أن نذهب براً بالقطار لكن لسوء حظي أن داليان لا يمكن الوصول اليها مباشرة بسبب أن خط البحر من شنغهاي يتعرج شرقا وهناك تضاريس يجب الالتفاف حولها. فرحلة القطار تصعد شمالاً الى بكين ثم تنعرج شرقا الى داليان وهذه مسافة احدى عشرة ساعة كحد أدنى بالقطار السريع. أما الطائرة فتستغرق ساعتين تقريبا.
استسلمت للمنطق طبعا وخصوصاً أني كنت في شهور الحمل الأولى ولا يمكنني تحمل اجهاد السفر الطويل.
في الخامس والعشرين من ذلك الشهر اتجهنا إلى المطار وكانت المرة الأولى التي اذهب بها الى مطار خاص بالسفر الداخلي و كان حجم المطار كبير جدا فهو يخدّم كل تلك البلد التي هي بحجم قارة.
صعدنا إلى الطائرة الصغيرة مروراً بمقصورة الدرجة الأولى الى مقصورتنا من الدرجة العادية. وقد فصل بينهما ستارة سميكة ,وكنت قد لمحت رجلا بملامح أوربية فأصبحنا أنا و زوجي و ابني وذلك الرجل الوجوه الغريبة الوحيدة في الطائرة أما الباقي أغلبهم صينين أو من شرق أسيا.
بدأت الطائرة بالمشي في مسارها لتسرع ثم تحلق وانا امسك يد ابني الحزين لأن الطائرة ليست مخدمه بتلفاز لكل مقعد كما كان يتمنى ,وصلواتي ودعائي ودقات قلبي تتسارع.
حاول زوجي طمأنت بمنطق الرياضيات:
ستصعد الطائرة عشرين دقيقة ثم يبدؤون بتوزيع وجبات الطعام فتنتهي أكثر من نصف الرحلة ويبدؤون بالهبوط ونصل سالمين.