سألتني : هل قرأت كتاب , أُحرقت حيّة لكاتبته سعاد؟
أخذت أُذاكر الاسم و العنوان فلم يمر علي اسم هذه الكاتبة لكن لا بأس: لا , من تكون سعاد ؟
أجابت و نظرات التحدي الفرحة في عينيها: سعاد التي أحرقوها أهلها بسبب اتهامها بقضية شرف و أصبح زوج أختها البطل , ساعدتها سيدة فرنسية للهرب من قريتها لتنجو و تكتب بعد سنين من العلاج قصتها الحزينة , لقد جعلتني أبكي كثيرا و اشعر بألم كبير . يا له من مجتمع ذكوري متخلف ومجرم.
أصبت بصدمة لا أعرف كيف أصفها واختلطت أحاسيسي و فطرتي و حتى المنطق عندي لم يعد يعمل , فسكت ما يقارب الثلاث دقائق لأسألها من أي بلد هذه السعاد ؟
ذكرت اسم قريتها و أخذت في البحث في غوغل لتقول لي قرية فلسطينية على حدود الأردن وجدت نفسي أصمت مجددا, أنا لا أريد أن ادافع عن حرق امرأة و طبعا هذا ليس إنسانيا و أنا ضده تماما و أرفضه جملة وتفصيلا .
سيدة أخرى أوربية تستمع للحديث أيضا اكتفت بجملة : انه شيء مرعب.
أخذت أنقل نظري و أراقب عيونهن و حركات رأسيهما المتأسفة والحزينة على سعاد و أنا فعلا لا أعرف الكتاب و لا أنكر وجود جرائم الشرف و لا أنكر المجتمع الذكوري , لكني عدت لأسئلتي المتفاجئة:
هل الكتاب كتب بلغتك؟
فأجابت : كتب بالفرنسية و ترجم الى لغتي.
قلت لها : اني حقا لا أعرف الكتاب و لكني مندهشة أنها عائلة فلسطينية لان الفلسطينيون أغلبهم شعب متعلم و مثقف و هذه تصرفات فردية موجودة حتى في المجتمعات الأوربية , فقبل خمسين عاما كانت الكنيسة تشنق الغير متزوجات في ساحات الكنائس الخلفية , و انها حقيقة ان قررت البحث فيها ستجدينها.
.لم تكن مهتمة لحقائقي و لا تريد سماعها, ركضت باتجاه ابنتها و انتهى الحديث ليحل محله احاديث سخيفة تنهي اللقاء الغير ودّي.
عدت الى منزلي أبحث في سعاد فوجدت الكتاب باكتر من لغة منها الإنكليزية و الفرنسية و الاسبانية و قد ترجم الى تسع وثلاثين لغة ليس من بينها العربية لكن يوجد بالكورية و الفيتنامية و العبرية و أيضا اللغة الايسلندية.
وجدت من التعليقات الكثير بلغات عدة , الكل حزين على هذه الفتاة وهذا طبيعي و الكل يعبر عن كرهه لهذه الشعوب المتخلفة والمجرمة.
لكني لم أستطع أن أُسكت أسئلتي الغاضبة ,من أوصل سعاد الى أوربا في الخمسينات من القرن الماضي و من أوصل صوت سعاد في القرن الحالي ؟ كم كتاب عن بلادنا مترجم يليق بعلمائنا و بمثقفينا ؟ وكم كتاب كتب أصلا باللغة العربية ذو قيمة ليترجم؟
لقد تم اغتصاب فكرنا تماما ثم حرقته أيد من لهم السلطة على عقولنا , لكن لحد الأن لم يتم انقاذنا مثل ما تم انقاذ سعاد و لم نعطى فرصة سعاد أن نكتب عن تجاربنا ونشاركها مع العالم لتسمع أصواتنا.
عندما قررت أن أترجم ما يقع تحت يدي من معلومات لم أجد لها مصادر مكتوبة باللغة العربية , كنت أتكاسل أحيانا بسبب مشاغل الحياة لكني أصبحت متأكدة أن السلاح الوحيد لكي تنجو الامة العربية من ماهي به , هو أن تقرأ و ان تكتب وأن تبدأ بالبحث .
سعاد ضحية صهرها الذي احرقها و ظهر بانه البطل , لكني أعرف كثيرا من السيدات السوريات هنّ طبيبات يعملنّ مع منظمات دولية و تسافرن الى اليمن و اثيوبيا و الى بلاد كثيرة وخطيرة لينقذن أرواحا , وهن مثال مشرف لو كنت كاتبة و أجيد أدوات اللغة لكنت كتبت عنهن واحدة واحدة ,وهناك الكثيرات من من يحاربن مع الصفوف الامامية في مستشفيات أوربا وهن من أصول سورية و لازلن تحملن جنسياتهن العربية , واحدى جاراتي الغاليات من حلب هي الآن مهندسة تعمل في وكالة فضاء أوربية.
ما أرغب في قوله , انظروا الى نوعية الكتب في الأسواق العربية منذ اكثر من سبعين عاما ، معظمها كتب ترفيهية او كتب روايات مترجمة ومؤخرا كتب روحانية ، تخصصت بها جنسيات معينة في العشر سنين الأخيرة و دعمتها دور النشر الحالية.
حتى الكتب الدينية التي بدأت مع انتشار الفضائيات كان بعضها لدعاة تروج لهم القنوات الفضائية و تبيع كتبهم ثم بعد فترة يختفي الداعي و قد يصبح منبوذا بعد فترة ..
اين كتّاب ومفكري بلاد الشام وعلماء العراق وأين هم عمالقة روائي مصر و اين أدب دول شمال افريقية العظيمة من كل هذا!؟
كل ما كتب بين عامي ١٨٥٠ حتى. ١٩٤٠ هو لأجانب زاروا بلادنا كسورية مثلا و تم توثيق رحلهم و تخزينها في مكاتب سياسية بريطانية و الكونغرس الأمريكي
كل ما كتب في القرن العشرين (١٩٠٠) عن التاريخ او البلد او شعوب المنطقة ليس ذو مصداقية او قيمة حقيقية حتى الكتب التي كانت ممنوعة لم تكن ذو قيمة تاريخية بل كتب لفكر معين يحاربه النظام الحاكم للمنطقة مثل كتب الماركسية والشيوعية او الكتب المنتقدة لتوجهات حزب او قومية معينة
قد يكون مقالا ليس ممتعا , لكنه باعتقادي مهم جدا ويجب أن نبدأ بالنظر الى مكتباتنا و الى أدباءنا وعلمائنا و مثقفونا و يجب أن نترجم كل مخطوط ذو قيمة .